samedi 9 avril 2016

جائزة الشيخ حمدان الدولية للتصوير الضوئي الخامسة

الصورة الفائزة للاسباني أنطونيو رينونسيو
 تخالف شرطا أخلاقيا

محمد حنون


كان الأحرى بلجنة التحكيم في مسابقة جائزة الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي، أن يقوموا بإلغاء الصورة المشاركة من قبل المصور الاسباني أنطونيو رينونسيو في الثيمة الرئيسية للجائزة، التي كانت تحت عنوان «السعادة» والتي فازت بالجائزة الكبرى في المسابقة.
في الكثير من المسابقات الفوتوغرافية الغربية، تجد بأن القوانين الموضوعة تكاد تلامس نخاع التفاصيل. فهناك العديد من القوانين، أذكر أهمها أنه لا يسمح بأي شكل من الأشكال لأي مصور المشاركة، إذا كان جزءا من الجهة المنظمة أو جزءا من أي مؤسسة متعاونة مع الجهة المنظمة، ولا يستطيع أحد من أقرباء هذا الشخص المشاركة حتى إن كان يسكن معه في الشقة ذاتها كشريك أجرة ليس أكثر. يتم وضع هذه الشروط بالإضافة لأخرى كثيرة، لضمان نزاهة النتائج والابتعاد بها عن أي احتمالات تشكيك بها.
من الشروط الرئيسية الأخرى أنه لا يسمح التلاعب رقميا بالصورة، إلا بأمور بسيطة كالاقتطاع الكلي من محيط الصورة (كروب)، وليس الاقتطاع الجزئي من داخل الصورة، وتغيير مؤشرات مستويات اللون أو الكثافة، بما لا يزيد عن أرقام محددة لا يضاف معها ألوانا غير موجودة في واقع الصورة، ويمنع كذلك استخدام الأدوات الرقمية في برامج التصحيح الفوتوغرافي التي تعمل على إزالة عنصر ما في الصورة أو إضافته، أو أدوات تعزيز ألوان الصورة بما هو ليس طبيعيا فيها. 
من الأمور الأخرى التي يجب أن يتم الانتباه إليها، وهي من مهمة لجنة التحكيم بالدرجة الأولى، ألا تكون هناك مسرحة في الصور «ستيجينغ». في أي مسابقة فوتوغرافية، وعلى الجهة المنظمة أن تتخذ كافة الإجراءات لتكون لديها لجنة تحكيم مستقلة القرار وقوية الانتباه لاحتمالات وجود مسرحة للصور من قبل المصورين المشاركين.

حين تتم مسرحة الصور فإنه من الممكن عندها وبسهولة أن يقوم المصور بإدخال عناصر عدة في الصورة تخدم أهدافا مالية وتجارية شخصية، أو إدخال عناصر بصرية بغرض استمالة لجنة التحكيم فنيا، أو بغرض استمالة الجهة المنظمة، أو بغرض تحقيق كسب مالي من خلال إدخال الدعاية لمنتج أو مؤسسة ما في الصورة، وإذا ما كانت هذه المؤسسة مرتبطة بشكل ما مع الجهة المنظمة، فإنه تصبح هناك تساؤلات وشكوك موجهة ضد الجهة المنظمة، وهو ما سأوضح قصدي منه لاحقا. 
مسرحة الصور، أي إعداد المشهد، هو ما يمكن أن يقوم به المصور أو المصورة، لتجهيز مشهد ويقوم بتصويره فوتوغرافيا ليبدو عفويا، ولكنه في حقيقة الأمر ليس كذلك، وهو ما يضعف مصداقية محتوى الصورة. على لجنة التحكيم أن تتمعن بكل عناصر الصورة، ليست التقنية والفنية فحسب، بل حتى عناصرها ودلالاتها البصرية، فإن كانت هناك احتمالات لوجود مسرحة في الصورة، حتى إن كانت احتمالات ضئيلة، فعلى لجنة التحكيم أن تستثني الصورة تماما كإجراء احتياطي، كي لا يكون هناك شبهة ما، فما بالك أن تقوم اللجنة بمنح هذه الصورة الجائزة الكبرى للمسابقة.
أما فيما يخص لجنة التحكيم، فإنه يجب أن تكون لديها مجموعة من القيم الفنية والتقنية من ناحية والأخلاقية من ناحية أخرى، التي يجب أن تُشكل روافع تحكيمية أثناء فرز الصور المشاركة، ومن ضمن هذه القيم أن تكون الصورة قد لامست وبشكل جذري محور المسابقة من عدة نواحي، كالناحيتين البصرية والمعرفية، فليس ممكنا بصريا لصورة ما المشاركة بمحور الطفولة مثلا، من دون وجود طفل أو أكثر في الصورة، وأن تكون الصورة بمواصفات فنية واقعية ومختلفة. أما من الناحية المعرفية، فيجب أن تؤدي الصورة غرضها الوظيفي وهي ناحية مهمة جدا. 
يزخر تاريخ مسابقة جائزة الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي، وفي وقت قصير لا يتجاوز الخمس سنوات، بالكثير من الإنجازات والتحرك نحو العالمية ولكنه منجز محمول على المقدرة المالية للجهة المنظمة والتسويق والعلاقات العامة وقوة المصادر، وليس على تأسيس منظومة حقيقية تتعامل مع الفوتوغراف بشكل احترافي. فعلى الرغم من كل هذا الضخ المالي، إلا أن المسابقة لم تكتسب «البريستيج» الفني الدولي بعد، أو تلك القيمة والمصداقية الفوتوغرافية على الرغم من كل التسميات في الإعلام العربي.
في نسختها الخامسة، التي أعلن عن نتائجها مؤخرا، قامت مسابقة جائزة الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي بإعلان الفائز بالجائزة الكبرى في المحور الرئيسي، التي كانت تحت عنوان «السعادة»، وهي للمصور الاسباني أنطونيو رينونسيو.
فاجأتني الصورة بضعف ظهور الثيمة الرئيسية للمحور بصريا وليس من حيث الفكرة، ففكرة اللعب عند الأطفال مؤكدا أنها ترتبط ارتباطا مطلقا مع «السعادة»، ولكن الصورة لم تكن بتلك القوة بصريا كي تستحق هذا المركز مقارنة بصور أخرى كانت مشاركة في المحور ذاته، وكانت تستحق هذه الجائزة أكثر من صورة أنطونيو الفائزة.
بالكاد يمكن أن تشعر بالسعادة في هذه الصورة، مع كل هذا الجمود الظاهر في ملامح الأطفال، إلا طفلا واحدا، في صورة من غرب أفريقيا وهم يلعبون بإطارات دراجة هوائية، فتشعر بأن الصورة فجة في تكوينها البصري والمعرفي إذا ما تم الربط بينها وبين ثيمة المحور. عادية المشهد تكاد تنطق من خلال الصورة لما فيها من إحساس طاغ بالاصطناع، فتجد أن الصورة تخلو تماما من ذاك التأثير الذي تتوقع بروزه في صورة قد حصلت على الجائزة الكبرى لمهرجان شارك فيه عشرات المصورين بما يقارب الـ80 ألف صورة. 
فيما يخص رأيي من الناحية الفنية والجمالية، فهو رأيي الشخصي ويحتمل النقد والنقض حتى، ولأي مهتم بالفوتوغراف بشكل حقيقي ومعرفي الحق بأن يرفض تحليلي للأمر، والقبول برأي أعضاء اللجنة. هذا حق متاح.
ولكن اللافت للنظر وما يعد مخالفة أخلاقية في هذه الصورة، ولا يحتمل النقض أو الرفض أو الدفاع عنه، أن هذه الصورة فيها أمر، سواء كان متعمدا أو لم يكن، وهو ما يمكن له أن يفسر فوز الصورة بالجائزة الكبرى على ضعفها، فلقد ظهر أحد الأطفال في الصورة، وهو على ما يبدو قائد اللعب، من دون ظهور وجهه، فيما هو يرتدي قميصا مكتوبا عليه بالإنكليزي « فلاي إيماراتيز» وهو شعار الطيران الإماراتي المملوك للحكومة الإماراتية.
سواء كان هذا الأمر متعمدا من المصور لاستمالة الجهة المنظمة أم لا، أو إذا كانت بمعرفة المنظمين وسماحهم لمسرحة الصور أو عدم سماحهم بذلك، فإن مجرد استخدام هذه الصورة يثير شكوكا بالقرار من ناحية، ويعد إخفاقا للجنة التحكيم والجهة المنظمة من ناحية أخرى، فما بالكم بفوزها بالجائزة الكبرى؟ كان يجب استثناء هذه الصورة تماما بمجرد ملاحظة هذه العبارة على قميص الطفل. 
كثير من المسابقات الدولية قامت بإلغاء مشاركة صور فوتوغرافية لأن منتجا ما يظهر فيها، أو شعار مؤسسة أو شركة، حتى إن كانت الصورة قوية فنيا، فهي ستبدو، أي الصورة – وحتى المسابقة نفسها – كأداة تسويق لمنتج أو لمؤسسة وهو ليس ما يفترض أن تكون وظيفة المسابقات الفوتوغرافية ذات المصداقية، خصوصا حين يكون شعار المؤسسة الظاهر في الصورة الفائزة مرتبطا بشكل عميق وجذري وتجاري وسياسي بالجهة المنظمة للمسابقة.
فوتوغرافي فلسطيني – جنيف 
محمد حنون